د. طارق عبد العزيز يكتب :يحيى عبده: جماليات الفن الإسلامى

يحيى عبده
يحيى عبده

تأكد أداء يحيى عبده التعبيرى والرمزى من خلال أعماله التى تحمل أسماء الله الحسنى، حيث التطويع الاحترافى للقيم الظلية والنورانية الخاصة بكل عمل على حده.

صاحب تجربة فريدة ورائدة فى الفنون الإسلامية، وخاصة فى العزف على أوتار صياغة وتشكيل «أسماء الله الحسنى» التى صارت بالنسبة له مبحثًا أساسيًا فى مشواره الفنى الطويل الذى تعدى النصف قرن من الإبداع، ليس هذا فحسب ففى معرضه الاستيعادى الأخير الذى أقيم بجاليرى «ضى» فى شهر إبريل 2021 قدم لنا فى سياق تاريخى عصارة اجتهاداته الفكرية والإبداعية فى العديد من اللوحات التى جسدت لنا من جديد الفن الجميل الذى نفتقده فى الكثير من المحافل التشكيلية المنتشرة هنا وهناك..

إنه الفنان والأستاذ الأكاديمى محمد يحيى محمد عبده الشهير بـ «يحيى عبده» الأستاذ المتفرغ بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة – جامعة حلوان وعميدها الأسبق.. والذى رحل عن عالمنا منذ شهور قليلة، وبالتحديد ٢٥ ديسمبر ٢٠٢١ تاركًا إرثًا كبيرًا من أعماله التى ستظل تحدثنا عن ابداعاته ماحيينا.

الكعبة فى القلب
فى أخر حوار بينى وبينه عن ميوله وعشقه تجاه الفنون الإسلامية قال يحى: هذا وليد الصدفة حيث ذهبت لأداء فريضة الحج عام 1983، وتأثرت بشدة مما رأيته حيث كنت أشاهده بعين الفنان، تأثرت بالكعبة وبمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والطواف.

وشعرت أننى أطوف بقلبى قبل جسدى، واستشعرت دعاء سيدنا إبراهيم «وأجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم» وعقب عودتى انعكست هذه الشحنة على أعمالى، حيث رسمت لوحات فى هذا السياق أذكر منها لوحة «طواف الأفئدة» ولوحة «الكعبة فى القلب»، بعد ذلك بدأت عدة جهات ودور نشر تحول لوحاتى إلى ملصقات وكروت معايدة وكان هذا لأول مرة فى مصر حيث كانت الكروت التى تحمل مثل هذه الأعمال تأتى من الخارج.
والت ديزنى
يحيى عبده من مواليد مدينة رشيد عام 1950، منزله يطل على النيل.. تأثر الطفل يحيى بمنظر النيل والمراكب الشراعية وحركة الصيد التى شكلت عنده ذاكرة فنية خاصة، ألتحق بمدرسة على الجارم الابتدائية وتأثر كثيرًا بمدرس الرسم الذى شجعه على التعرف على رسوم الفنان بيكار من خلال كتاب المطالعه ورسومه فى سلسة كتب كامل الكيلانى، انتقل بعد ذلك مع أسرته للقاهرة فى منتصف الستينات والتحق بمدرسة مصر الجديدة الثانوية ولقى تشجيعًا على  موهبته من مدرس الرسم سعيد الشواربى، وناظر المدرسة.. حتى التحق بكلية الفنون الجميلة، وخلال مشواره الأكاديمى أعد أول رسالة ماجستير فى فلسفة الفنون الجميلة فى الرسوم المتحركة عام 1984 وعنوانها «الرسوم المتحركة عند والت ديزنى».

وابتكر شخصيات كرتونية عديدة للأطفال أشهرها لعالم الأسماك والكائنات البحرية بعنوان «مغامرات موجة بحر»، و«ميكى ماوس دونالدك» لوالت ديزنى.. وبسببها جاءته دعوة خاصة للسفر إلى أمريكا لزيارة استوديوهات والت ديزنى والتعرف على هذا العالم من الرسوم المتحركة، رسم العديد من أغلفة الكتب لكبار الكتاب أمثال محمد حسنين هيكل، زكى نجيب محفوظ، الشعراوى، محمد الغزالى.

أمجاد أكتوبر
استعان به الكاتب الصحفى أنيس منصور عقب تخرجه عام 1976 لرسم أغلفة مجلة أكتوبر، ليعبر بريشته عن أمجاد حرب أكتوبر ومرحلة السلام والأحداث الوطنية، واعتمدت عليه وزارة الداخلية فى تصميم الأعمال التشكيلية التى تسجل أمجاد الشرطة فى الاحتفال بيوبيلها الفضى عام 1981.

وكلفه التليفزيون المصرى بإعداد برنامج «فنون وكارتون» للأطفال عام 1991، أحتلت أعماله أغلفة العديد من دور النشر فى مصر وخارجها مثل دار المعارف، ودار الشروق ودار الاعتصام ودار الفكر العربى، والهيئة العامة للكتاب، ودار سفير، ودار المدنى بجدة، ودار السلام بسوريا، ودار الكتاب العالمى بقبرص، وكُلف بتصميم الأغلفة والرسوم التوضيحية لمجلة الحرس الوطنى السعودى، كما رسم أغلفة مجلات مثل روزاليوسف، صباح الخير، الشرطة، آخر ساعة، مجلة الحرس الوطنى ومجلة الملك خالد بالسعودية، مجلة منار الإسلام فى أبو ظبى، مجلتى الدفاع العربى واللواء فى لبنان».

 
أسماء الله الحسنى
تأكد أداء يحيى عبده التعبيرى والرمزى من خلال أعماله التى تحمل أسماء الله الحسنى، حيث التطويع الاحترافى للقيم الظلية والنورانية الخاصة بكل عمل على حده، وتوزيع الإضاءة وبراعة التكوين والكتل الخطية التى تعبر عن المضمون.

وتعكس القوة الإلهية واللطف والرحمة، فكل أسم له مفردات بصرية ورمزية يوصفها ويترجمها من خلال أدواته التى يطوعها لتجسيد تلك المعانى الروحانية، وكما ذكر د. ياسر منجى فى مطوية المعرض: ان استحضاره لمفهوم الأسماء الحسنى واستلهامه إياه موضوعًا للصياغة والمقارنة فى تجربته الراهنة مرتكزًا على أسس وطيدة تبرز هذا الاختيار.

وتضمن قدرًا لا بأس به من الارضاء لتوقعات المتلقى المتابع التطور فى أعماله، فهو لم يتناول مفردات الأسماء الحسنى بوصفها كتابات اعتيادية يسرد من خلالها أسماء وصفات الخالق، ولا بوصفها صياغات خطية، لكن بسبب تجلياتها المعنوية على وجدانه.


إيحاءات التكوين
المعرض الأخير ليحيى عبده الذى ضم معظم أعماله .. وكأنه يودع تلامذته ومحبيه كان يضم مجموعة لوحات متنوعة من الزهور والمناظر الطبيعية (اللاندسكيب)، لكن ما جذبنى فى هذا الركن تلك الصراعات اللونية التى تعكس زاوية الرؤية عند هذا الفنان المحب لفنه..

فهو فى طرحه لتجربته من خلال مرآته البصرية لم يبتعد عن شغفه بالرسوم التوضيحية وتصميم الأغلفة، ويحاول أن يوثق علاقته بشدة مع المتلقى الذى يعتبره عصب الفن التشكيلى، فهو يجيد صياغة وتأسيس عنصرى الجمال واللون فى مسطحاته من خلال ذاكرته البصرية وخبرته العريضة، الصخور والزهور فى أعماله تمثل حالة من الفرح والشجن.

وربما صراع بين الخير والشر، فلكل منهما فلسفته الخاصة وطبيعتة المختلفة، لكن فى النهاية يبقى الإبداع هو الشغل الشاغل لهذا الفنان الذى يحمل فى عباءته منهجية خاصة ومسارات متعددة من خلال تعبيرات ربما يراها أو يصفها البعض أنها بسيطة، لكنها فى الواقع مثلها مثل النوتة الموسيقية التى تحتاج إلى عازف ماهر لترجمة محتواها ويطرب مستمعيه.

اقرأ ايضا | عمار علي حسن يكتب: قاموس الروح